عيكم مبارك وأيامكم سعيدة.عند زاوية غرفة صغيرة ضيقة أضاءت أركانها شمعة تلفظ أنفاسها الأخيرة إستلقى أماديوس ديناخ فوق سرير خشبي بسيط التصميم و بجواره وقف طبيب المدينة و على محياه علائم حزن طفيفة .
- لقد أصيب هو الآخر .
قال الطبيب لوالدة أماديوس التي سألت :
- و ما هو هذا المرض تحديدا ؟ .
الطبيب صمت هنيهة ثم أجاب :
- لا نعرف تحديدا لكننا نعتقد أنه إلتهاب يصيب المخ فيجعل صاحبه يدخل في نوم عميق لفترات طويلة ، سننقل إبنك للمشفى لنراقب حالته بشكل أفضل .
كان أماديوس البالغ من العمر آنذاك 33 عاما مدرسا مخلصا لعمله لكن مكتئبا لحد كبير فزوجته كانت قد تركته بعد عام واحد فقط من زفافهما لتهرب مع أحد أثرياء المدينة و قد أثرت تلك الحادثة على صحته بشكل عام و لربما سهلت دخول المرض لجسده لكنه و رغم حالته النفسية السيئة إستطاع أن يقاوم المرض و أن يصارعه لمدة عام كامل ، ربما صراعه لم يكن ظاهرا للجميع كونه كان في غيبوبة لكن بينه و بين نفسه كان النزال شديدا حادا محتدما إنتهى في الأخير بفوز أماديوس الذي إستيقظ من غيبوبته بعد إثنى عشرة شهرا ، كان هذا الأخير ينتظر على الأرجح حفلة على شرفه بعد صراعه العنيف ذاك لكن ما تلقاه كان مختلفا تماما إذ نزلت الأخبار السيئة عليه واحدا تلو الآخر فوالدته توفيت بمرض السل الذي إنتشر في المدينة بل في دولة سويسرا كلها و وصل له هو شخصيا بعد أن إلتقطه من المشفى ، كما طرد من عمله و إضطر بحكم ذلك للسفر إلى اليونان ليعمل كمدرس لغة فرنسية و هناك تعرف على طالب مجتهد متفوق يدعى جورجيوس باباشاتزيس و تطورت صداقتهما مع مرور الزمن لكن يمكن القول أنها بترت في المنتصف مثل يد سارق قذر فالسل فتك بجسد أماديوس و أخذ بعد فترة حياته .
صورة أماديوس
لم يترك ديناخ خلفه شيئا لصديقه سوى مذكراته التي أصر كل الإصرار على إبقائها سرية تماما ، إحتوت المذكرات فصولا من حياة أماديوس البائسة إضافة لحلم غريب عاش أحداثه خلال فترة غيبوبته ، كان الحلم مكتوبا بطريقة قد تبدو لشخص غريب عن ديناخ مثالية لحد كبير فالأسلوب و التفاصيل كانت دقيقة و متقنة بشكل لا يوصف بيد أن أماديوس كان قد أكد أكثر من مرة لصديقه أنه لم يكن كاتبا و لا شاعرا بل مجرد مدرس بسيط بدخل متواضع ، ثم إن الغريب في الأمر ليس الأسلوب المميز فقط بل فحوى ذلك الحلم بحد ذاته ، حيث إدعى أماديوس أنه و خلال فترة غيبوبته قد سكن جسد رجل يعيش في العام 3906 .
يحدثنا ديناخ في مذكراته عن إستيقاظه في المستشفى و يصف لنا الزي الموحد الغريب للممرضين و الأطباء و كذا لهجتهم المختلفة ، كما يصف التكنلوجيا و كيف أنها تطورت بشكل لافت . كما تحدث أيضا عن أهم المشاكل و العوائق التي واجهها العالم في القرنين العشرين و الواحد و العشرين مثل الحروب و العنف بين أبناء البلد الواحد و كذا الإستهلاك المفرط و الغير عقلاني لموارد الكوكب ، يحكي أماديوس أيضا عن ظهور نظام عالمي جديد و كذا وقوع حرب نووية ستنسف معظم سكان أوروبا في حدود العام 2309 كما وصف أيضا العديد من المآسي و المشاكل الكثيرة و المعقدة التي تميزت بها تلك الفترة و التي دفعت بالبشر لإستعمار المريخ لكن ليس لفترة طويلة فالمستعمرون سيلقون حتفهم بعد كارثة بيئية خطيرة تقع تقاصيلها هناك في الفضاء .
سيلتهم العالم نفسه
إن لمحة أماديوس للمستقبل ليست تشاؤمية بحتة فقد وصف في مذكراته ظهور تيار إنساني جديد مسالم ينطلق من دولة مقدونيا فتتوحد الحكومات و تزول الحدود بين الدول و يحقق العالم بطريقة ما السلم العالمي مما يؤدي لظهور أسلوب حياة جديد مختلف تماما و سحري لحد ما ، إذ أن البشر و بعد حملة دؤوب من فيلسوف يدعى أليكس فولكي سيتمكنون من إطلاق العنان لقوى داخلية جديدة لم يكن العقل البشري يستطيع الوصول لها و سيتاح لهم التحكم في أجسادهم بطريقة مختلفة عجيية مميزة لتكون هذه المحطة آخر محطات رحلة أماديوس الذي ترك المستقبل رغم كل الفوضى في البداية في حالة سلم و أمن و إطمئنان .
سيجد البشر طريقهم للسلم
رغم توصيات أماديوس لتلميذه بعدم نشر مذكراته إلا أن هذا الأخير لم يستطع إبقائها محبوسة بين دفتي دفتر جلدي قديم عتيق فقام أولا بترجمتها من الفرنسية إلى اليونانية ثم نشرها للعلن بإسم أستاذه الراحل دون أن ينسى تذكير كل قارئ بأن أماديوس لم يكتب قط كتابا في حياته ، لقيت رحلة أماديوس للمستقبل رواجا واسعا و إختلف الناس حول صحتها من عدمها و مالت الكفة لعدم التصديق في كثير من المرات ، لا يمكن القول حقا بأن أماديوس كاذب أو دجال فقصص مثل قصته كثيرة و عديدة و الغيبوبة قد تؤدي للهلوسة في بعض الأحيان و لا يمكن أن نقول أيضا أنه كان يبحث عن الشهرة أو الإهتمام بحكم أنه كان إنسانا متواضعا يقدر عزلته كما أنه رفض رفضا قاطعا مشاركة المذكرات ، من الجانب الآخر فإن تصديق رحلة زمنية للعام 3906 يبدو ضربا من الخيال بل من الجنون ، و حتى و إن صدقنا نظرية الإسقاط النجمي و إنفصال الروح عن الجسد و إنتقالها لأكوان أخرى موازية فإن الفكرة تبقى مستبعدة لحد كبير .
غلاف كتاب أماديوس بعد نشره
أماديوس ترك لنا مذكراته لكنه أخذ سرها معه ، هل سافر حقا و سكن جسد شخص آخر ؟ هل هلوس ثم بالغ في هلوسته بعد إستيقاظه ؟ هل كانت فكرة السفر عبر الزمن تراود ذهنه قبل غيبوبته و إستغل الغيبوبة كحافز ؟ لا نعرف حقا ما هو السر وراء كمية الإبداع تلك و ربما لن نعرف أبدا .
- لقد أصيب هو الآخر .
قال الطبيب لوالدة أماديوس التي سألت :
- و ما هو هذا المرض تحديدا ؟ .
الطبيب صمت هنيهة ثم أجاب :
- لا نعرف تحديدا لكننا نعتقد أنه إلتهاب يصيب المخ فيجعل صاحبه يدخل في نوم عميق لفترات طويلة ، سننقل إبنك للمشفى لنراقب حالته بشكل أفضل .
كان أماديوس البالغ من العمر آنذاك 33 عاما مدرسا مخلصا لعمله لكن مكتئبا لحد كبير فزوجته كانت قد تركته بعد عام واحد فقط من زفافهما لتهرب مع أحد أثرياء المدينة و قد أثرت تلك الحادثة على صحته بشكل عام و لربما سهلت دخول المرض لجسده لكنه و رغم حالته النفسية السيئة إستطاع أن يقاوم المرض و أن يصارعه لمدة عام كامل ، ربما صراعه لم يكن ظاهرا للجميع كونه كان في غيبوبة لكن بينه و بين نفسه كان النزال شديدا حادا محتدما إنتهى في الأخير بفوز أماديوس الذي إستيقظ من غيبوبته بعد إثنى عشرة شهرا ، كان هذا الأخير ينتظر على الأرجح حفلة على شرفه بعد صراعه العنيف ذاك لكن ما تلقاه كان مختلفا تماما إذ نزلت الأخبار السيئة عليه واحدا تلو الآخر فوالدته توفيت بمرض السل الذي إنتشر في المدينة بل في دولة سويسرا كلها و وصل له هو شخصيا بعد أن إلتقطه من المشفى ، كما طرد من عمله و إضطر بحكم ذلك للسفر إلى اليونان ليعمل كمدرس لغة فرنسية و هناك تعرف على طالب مجتهد متفوق يدعى جورجيوس باباشاتزيس و تطورت صداقتهما مع مرور الزمن لكن يمكن القول أنها بترت في المنتصف مثل يد سارق قذر فالسل فتك بجسد أماديوس و أخذ بعد فترة حياته .
صورة أماديوس
لم يترك ديناخ خلفه شيئا لصديقه سوى مذكراته التي أصر كل الإصرار على إبقائها سرية تماما ، إحتوت المذكرات فصولا من حياة أماديوس البائسة إضافة لحلم غريب عاش أحداثه خلال فترة غيبوبته ، كان الحلم مكتوبا بطريقة قد تبدو لشخص غريب عن ديناخ مثالية لحد كبير فالأسلوب و التفاصيل كانت دقيقة و متقنة بشكل لا يوصف بيد أن أماديوس كان قد أكد أكثر من مرة لصديقه أنه لم يكن كاتبا و لا شاعرا بل مجرد مدرس بسيط بدخل متواضع ، ثم إن الغريب في الأمر ليس الأسلوب المميز فقط بل فحوى ذلك الحلم بحد ذاته ، حيث إدعى أماديوس أنه و خلال فترة غيبوبته قد سكن جسد رجل يعيش في العام 3906 .
يحدثنا ديناخ في مذكراته عن إستيقاظه في المستشفى و يصف لنا الزي الموحد الغريب للممرضين و الأطباء و كذا لهجتهم المختلفة ، كما يصف التكنلوجيا و كيف أنها تطورت بشكل لافت . كما تحدث أيضا عن أهم المشاكل و العوائق التي واجهها العالم في القرنين العشرين و الواحد و العشرين مثل الحروب و العنف بين أبناء البلد الواحد و كذا الإستهلاك المفرط و الغير عقلاني لموارد الكوكب ، يحكي أماديوس أيضا عن ظهور نظام عالمي جديد و كذا وقوع حرب نووية ستنسف معظم سكان أوروبا في حدود العام 2309 كما وصف أيضا العديد من المآسي و المشاكل الكثيرة و المعقدة التي تميزت بها تلك الفترة و التي دفعت بالبشر لإستعمار المريخ لكن ليس لفترة طويلة فالمستعمرون سيلقون حتفهم بعد كارثة بيئية خطيرة تقع تقاصيلها هناك في الفضاء .
سيلتهم العالم نفسه
إن لمحة أماديوس للمستقبل ليست تشاؤمية بحتة فقد وصف في مذكراته ظهور تيار إنساني جديد مسالم ينطلق من دولة مقدونيا فتتوحد الحكومات و تزول الحدود بين الدول و يحقق العالم بطريقة ما السلم العالمي مما يؤدي لظهور أسلوب حياة جديد مختلف تماما و سحري لحد ما ، إذ أن البشر و بعد حملة دؤوب من فيلسوف يدعى أليكس فولكي سيتمكنون من إطلاق العنان لقوى داخلية جديدة لم يكن العقل البشري يستطيع الوصول لها و سيتاح لهم التحكم في أجسادهم بطريقة مختلفة عجيية مميزة لتكون هذه المحطة آخر محطات رحلة أماديوس الذي ترك المستقبل رغم كل الفوضى في البداية في حالة سلم و أمن و إطمئنان .
سيجد البشر طريقهم للسلم
رغم توصيات أماديوس لتلميذه بعدم نشر مذكراته إلا أن هذا الأخير لم يستطع إبقائها محبوسة بين دفتي دفتر جلدي قديم عتيق فقام أولا بترجمتها من الفرنسية إلى اليونانية ثم نشرها للعلن بإسم أستاذه الراحل دون أن ينسى تذكير كل قارئ بأن أماديوس لم يكتب قط كتابا في حياته ، لقيت رحلة أماديوس للمستقبل رواجا واسعا و إختلف الناس حول صحتها من عدمها و مالت الكفة لعدم التصديق في كثير من المرات ، لا يمكن القول حقا بأن أماديوس كاذب أو دجال فقصص مثل قصته كثيرة و عديدة و الغيبوبة قد تؤدي للهلوسة في بعض الأحيان و لا يمكن أن نقول أيضا أنه كان يبحث عن الشهرة أو الإهتمام بحكم أنه كان إنسانا متواضعا يقدر عزلته كما أنه رفض رفضا قاطعا مشاركة المذكرات ، من الجانب الآخر فإن تصديق رحلة زمنية للعام 3906 يبدو ضربا من الخيال بل من الجنون ، و حتى و إن صدقنا نظرية الإسقاط النجمي و إنفصال الروح عن الجسد و إنتقالها لأكوان أخرى موازية فإن الفكرة تبقى مستبعدة لحد كبير .
غلاف كتاب أماديوس بعد نشره
أماديوس ترك لنا مذكراته لكنه أخذ سرها معه ، هل سافر حقا و سكن جسد شخص آخر ؟ هل هلوس ثم بالغ في هلوسته بعد إستيقاظه ؟ هل كانت فكرة السفر عبر الزمن تراود ذهنه قبل غيبوبته و إستغل الغيبوبة كحافز ؟ لا نعرف حقا ما هو السر وراء كمية الإبداع تلك و ربما لن نعرف أبدا .