- التعديل الأخير:
- المشاهدات: 604
- الردود: 6
التعديل الأخير:
في مساء 5 مايو من عام 1821 ، لفظ امبراطور فرنسا والقائد العسكري الفذ نابليون بونابرت آخر أنفاسه بعيداً عن ساحات المعارك على جزيرة (سانت هيلانة) المعزولة في وسط المحيط الاطلسي ؛ بعدما تم نفيه اليها عقب هزيمته القاسية في معركة (واترلو) الشهيرة .
لاشك أن نابليون بونابرت واحد من أبرز الشخصيات في التاريخ ، كيف لا وهو القائد العسكري البارع الذي غزا معظم قارة أوروبا وخاض عشرات المعارك في أرجائها وخارجها ، ومن أبرزها الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 ، لكن وفاة نابليون تحولت الى لغز غامض يثر الكثير من التساؤلات والتكهنات حول ما إذا كان قد مات مقتولاً أو نتيجة مرض خبيث .
نفي الإمبراطور نابليون
بعد خسارته في معركة واترلو يوم 18 يونيو 1815، اضطر الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت للتنازل عن العرش مرة أخرى ، وانتهت بذلك فترة المئة يوم التي تلت فراره من منفاه الأول في جزيرة ألبا. وبعد هذه الهزيمة، تم نفي نابليون إلى أحد أكثر الأماكن عزلة في العالم ، جزيرة (سانت هيلينا) التي يسيطر عليها البريطانيون في وسط المحيط الأطلسي قبالة سواحل غرب أفريقيا ، حيث تم وضعه تحت حراسة مشددة لمنعه من التفكير بالفرار مجدداً.
لا شك أن الجزيرة الصغيرة ، التي لا تتجاوز مساحتها 300 كم² ، بدت للإمبراطور السابق كئيبة وموحشة عندما وقعت عيناه عليها للمرة الأولى . قضى نابليون بقية أيام حياته في منزل بائس على هذه الجزيرة النائية ، حيث عانى من العزلة والحرمان .
إضافة إلى ذلك ، المنزل الذي أقام به لم يكن بأفضل حال حيث تم وصفه من قبل خدمه على أنه رطب ومليء بالعفن إلى جانب معاناتهم الدائمة من "نزلات البرد وسوء المؤن".
تدهور صحة نابليون
خلال الفترة التي قضاها في سانت هيلينا، لم يُصب نابليون، كما يُفترض غالبًا، بمرض واحد قاتل؛ بل كانت سلسلة من الأمراض التي تسببت في تدهور حالته الصحية تدريجياً. نتيجة لصعوبة المناخ وسوء الظروف المعيشية في الجزيرة، أصيب العديد من الأشخاص القادمين من أوروبا بأمراض خطيرة، وخاصة اضطرابات الأمعاء ، ومن بين المصابين جنرالات في صفوف الجيش والبحرية البريطانية.
منذ مايو 1816 فصاعداً، بدأ نابليون يعاني أكثر من الآلام و الأرق والصداع الشديد واستشار طبيبه الايرلندي (باري أوميرا) الذي رافقه في رحلة نفيه إلى الجزيرة . وقد أثر المرض على معنويات الإمبراطور وجعلته حزيناً ومتشائما وسريع الانفعال. تناوبت فترات التحسن والمرض حتى سبتمبر 1817 ، عندما أصبحت الأعراض أكثر وضوحاً وبدأ نابليون يشكو من الألم في الجانب الأيمن من بطنه .
قام أوميرا بتشخيص التهاب الكبد، وبدأ في صياغة التقارير التي قام بإرسالها لاحقا إلى حاكم الجزيرة (هدسون لوي) ، الأمر الذي أثار غضب لوي متهماً الطبيب أوميرا بتعمد تهويل الوضع في محاولة للحصول على تصريح طبي لعودة نابليون إلى وطنه من خلال نسب التهاب الكبد إلى الظروف المعيشية في سانت هيلينا. في منتصف 1818، قام هدسون لوي بإنهاء مهمة أوميرا وإعادته إلى لندن.
نهاية قصة نابليون
تعاقب على رعاية نابليون عدد من الأطباء المختلفين ولكن لا أحد منهم مكث معه الفترة الكافية لدراسة أعراض مرضه بشكل منهجي أو وضع نظام دائم لعلاجه وغذائه ، وكان أول أطبائه الدكتور (أوميرا) هو أفضلهم لكن مهامه أنهيت بعد فترة وجيزة كما ذكرنا ، وحل محله طبيبان بريطانييان (ستوكو) و(أرنوت) ؛ وكلاهما كانا طبيبان جيدان وصبورين ، لكن اضطرب الأمر مع وصول ( فرانشيسكو أنتومارتشي ) الذي اتهمه الإمبراطور في وقت لاحق بعدم الاهتمام باحتياجاته وتقديم الرعاية الكافية .
كان المرض يتقدم بمعدل ينذر بالخطر، حيث كان نابليون يعاني من آلام في الجانب الأيمن من بطنه، وألم في كتفه، وحمى، وسعال، وقشعريرة ، وتناوب الإسهال والإمساك، وما إلى ذلك. في عام 1821، كان واضحًا لجميع رفاق الإمبراطور المقربين أن نابليون لن يعيش طويلاً. وفي آخر شهرين من حياته ، لزم نابليون سريره ولم يغادره بعد ذلك إلا نادراً .
في نهاية المطاف ، تدهورت صحة نابليون بشكل حاد. أصبح يعاني من آلام شديدة في البطن وضعف عام وكان يتقيأ كل الطعام الذي يتناوله تقريباً. بعد التشاور مع اثنين من الزملاء الإنجليز ، وصف أرنوت وأنتومارشي جرعة كبيرة من دواء تسبب في اضطراب عنيف وفاقم نزيف حاد في الجهاز الهضمي . بحلول 5 مايو 1821 ، وبعد أكثر من خمس سنوات من وصوله إلى سانت هيلينا ، توفي الامبراطور نابليون بونابرت عن عمر ناهز 51 عاماً فقط .
تشريح الجثة
قام أنتومارشي، بحضور عدد كبير من الأطباء ومن بينهم سبعة جراحين بريطانيين، بتشريح الجثة في يوم 6 مايو. وقد جاء في تقارير الأطباء أن "الكبد كان منتفخًا وكبير الحجم بشكل غير طبيعي؛ لكن لم تظهر أنسجة الكبد أي تغيير كبير آخر في البنية" ، بينما العضو الذي وجد أنه الأكثر تضررا هو المعدة !
بالإضافة إلى كونها متآكلة بشكل كبير بسبب "قرحة سرطانية"، فإن بطانة المعدة كانت تحتوي أيضًا على ثقب . أفاد تشريح الجثة بوجود تورم حلقي كبير بالقرب من بواب المعدة ، والذي تم وصفه بأنه ورم سرطاني خبيث.
كانت المناقشة التي تلت ذلك بين مختلف الأطباء محتدمة للغاية ؛ في نهاية المطاف، تركز الإجماع العام للتقارير والمراسلات المختلفة على "النمو السرطاني بالقرب من البواب" ؛ وقد أدى هذا المرض الخبيث إلى وفاة نابليون لنفس الأسباب التي أدت إلى وفاة والده وشقيقته إليسا ، مما يشير إلى الاستعداد الوراثي للمرض .
فرضية التسمم
أول من وضع هذه الفرضية هو طبيب الأسنان السويدي وعالم السموم ( ستين فورشوفود ) ، حيث نشر كتابا عام 1962 ادعى فيه أن نابليون مات نتيجة التعرض لجرعات صغيرة من الزرنيخ على مدى سنوات طويلة ، واعتمد في ذلك على أن الأعراض التي عانى منها نابليون في آخر ايام حياته كانت متوافقة مع حالات التسمم بالزرنيخ المزمن. يقول فورشفود إن هناك واحداً وثلاثين عرضا معروفا للتسمم بالزرنيخ، وقد عانى نابليون في الأربعة أعوام الأخيرة من حياته من ثمان وعشرين من هذه الأعراض (مثل فقدان الشعر ، آلام الرأس، السعال، الأرق الذي يعقبه حالات نوم دائمة ، التقيؤ، الامساك، الاسهال ..) .
ولأن فحص بقايا جثته كان أمراً مستحيلاً ، قرر الطبيب فورشوفورد البحث عن خصلات من شعره ، حيث يعتبر الشعر أداة جيدة لقياس تركيز الزرنيخ في الجسم ، وفي عصر نابليون كانت خصلة الشعر من الهدايا المعروفة التي يقدمها مشاهير القادة ، ومن حسن الحظ ان الغرور بلغ بنابليون حد إهداء عدد كبير من خصلات شعره للمعجبين والمقربين منه .
زار فورشوفود دولاً كثيراً وحضر مزادات عديدة لجمع اكبر كمية ممكنة من هذه الخصلات. وحين تجمعت لديه الكمية الكافية ، أُجرى البروفيسور هاملتون سميث الاختبارات عليها في مختبر علوم الطب الشرعي بجامعة جلاسكو ، وعندما ظهرت النتيجة كانت المفاجأة ان نسبة الزرنيخ في شعر نابليون أعلى من النسبة الطبيعية .
هل قُتل نابليون ؟
فرضية فورشوفورد أثارت ضجة واسعة و لا تزال موضع نقاش وجدل بعد مرور ما أكثر من نصف قرن على طرحها . وعلى اعتبار أن الإمبراطور هو الشخص الوحيد الذي أظهر تقريبًا جميع الأعراض المنسوبة إلى التسمم المزمن بالزرنيخ الأمر الذي دفع فورشوفود إلى الاعتقاد بأن التسمم كان عملاً إجراميًا وأشار بإصبع الاتهام إلى أحد أفراد حاشيته .
وقد أثار نابليون نفسه الشكوك، فكتب في وصيته قبل عدة أسابيع فقط من وفاته، "أموت قبل وقتي. قُتلت على يد الطغمة الإنجليزية والقتلة المأجورين". من بين الامور التي تدعم نظرية موت الإمبراطور المنفي نتيجة التسمم بالزرنيخ ، هي الحالة الجيدة لجسده عندما تم استخراجه من القبر في عام 1840 لإعادة دفنه في باريس ، وذلك نظرًا لأن الزرنيخ سام أيضاً للكائنات الحية الدقيقة، فإنه يبطئ تحلل الأنسجة البشرية .
ولكن حتى لو كان الزرنيخ هو سبب الوفاة - وهو ما لم يتم إثباته على وجه اليقين - فإن الاتهام القائل بوجود جريمة قتل قد لا يكون دقيقا. البديل الأقل دراماتيكية ولكنه في نفس الوقت تفسير منطقي ومقبول هو أن نابليون قد يكون تعرض للزرنيخ من البيئة المحيطة بشكل عرضي .
هل سمم نابليون بالزرنيخ ؟
عام 2008، وسع فريق إيطالي التحقيق من خلال اختبار خصلات شعر نابليون من أربع نقاط في حياته - بما في ذلك طفولته، ومنفاه، ويوم وفاته، واليوم التالي - وامتد الاختبار أيضًا إلى ابنه نابليون الثاني وزوجته الإمبراطورة جوزفين. وقد وجد أن جميع العينات تحتوي على مستويات عالية من الزرنيخ بشكل مماثل، ما يقرب من 100 مرة أكثر من تلك الموجودة لدى الأشخاص الأحياء الذين تم تضمين شعرهم في التحليل للمقارنة.
وخلص فريق من المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء النووية إلى أن النتائج تشير إلى "التعرض المزمن الذي يُعزى ببساطة إلى عوامل بيئية، للأسف لم يعد من السهل التعرف عليها، أو العادات التي تنطوي على الغذاء والعلاجات". لكن عموما كان الزرنيخ مكونًا شائعًا في عدد من المنتجات المنزلية في القرن التاسع عشر ،وخاصة الأصبغة والمستحضرات .
يقول العلماء :"تسببت البيئة التي عاش فيها الناس اوائل القرن التاسع عشر بشكل واضح في امتصاص كميات من الزرنيخ تعتبر خطيرة بمقاييس اليوم " . كما تظهر مذكرات الطبيب (أوميرا)، فقد تم وصف الحبوب والجرعات بمختلف أنواعها ، على الرغم من نفور نابليون الشد يد من الأدوية. هذه الأدوية، التي يتم تحضيرها في الغالب باستخدام طرق بسيطة للغاية، يمكن أن تحتوي على شوائب الزرنيخ .
الخلاصة
في حالة نابليون، كان الزرنيخ على الأرجح مجرد واحد من عديد الأمور التي أثقلت كاهل صحة الامبراطور المضطربة بالفعل. في سياق علاج مجموعة متنوعة من الأعراض - تورم الساقين، وآلام البطن، واليرقان، والإقياء، والضعف - تعرض نابليون لمجموعة متنوعة من المواد السامة الأخرى. وقيل إنه كان يستهلك كميات كبيرة من مشروب حلو المذاق يحتوي على حمض الهيدروسيانيك. كما تم إعطاؤه أيضاً مركب أنتيموني قبل يومين من وفاته ، و أعطاه أطباؤه قبل يومين جرعة من الكالوميل، أو كلوريد الزئبق، وبعد ذلك انهار وتدهورت حالته أكثر .
على المستوى التاريخي والطبي البحت، فإن التركيبة التالية : التهاب الكبد المزمن السابق + قرحة المعدة التي تطورت في النهاية إلى ثقب + سرطان المعدة + تفاقم الحالة العامة نتيجة مركبات خطيرة (الأنتيمون والزئبق)، أكثر من كافية لتفسير وفاة الإمبراطور، دون الأخذ في الاعتبار احتمال تعرضه للتسمم .وإذا أردنا العثور على إجماع في الرأي يشمل مختلف النظريات المطروحة، فلا يمكن استبعاد السيناريو الذي يؤثر فيه أيضاً التعرض المزمن للزرنيخ من البيئة المحيطة سلبًا على جسم نابليون الذي أضعفه المرض بالأساس .
لاشك أن نابليون بونابرت واحد من أبرز الشخصيات في التاريخ ، كيف لا وهو القائد العسكري البارع الذي غزا معظم قارة أوروبا وخاض عشرات المعارك في أرجائها وخارجها ، ومن أبرزها الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 ، لكن وفاة نابليون تحولت الى لغز غامض يثر الكثير من التساؤلات والتكهنات حول ما إذا كان قد مات مقتولاً أو نتيجة مرض خبيث .
نفي الإمبراطور نابليون
بعد خسارته في معركة واترلو يوم 18 يونيو 1815، اضطر الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت للتنازل عن العرش مرة أخرى ، وانتهت بذلك فترة المئة يوم التي تلت فراره من منفاه الأول في جزيرة ألبا. وبعد هذه الهزيمة، تم نفي نابليون إلى أحد أكثر الأماكن عزلة في العالم ، جزيرة (سانت هيلينا) التي يسيطر عليها البريطانيون في وسط المحيط الأطلسي قبالة سواحل غرب أفريقيا ، حيث تم وضعه تحت حراسة مشددة لمنعه من التفكير بالفرار مجدداً.
لا شك أن الجزيرة الصغيرة ، التي لا تتجاوز مساحتها 300 كم² ، بدت للإمبراطور السابق كئيبة وموحشة عندما وقعت عيناه عليها للمرة الأولى . قضى نابليون بقية أيام حياته في منزل بائس على هذه الجزيرة النائية ، حيث عانى من العزلة والحرمان .
إضافة إلى ذلك ، المنزل الذي أقام به لم يكن بأفضل حال حيث تم وصفه من قبل خدمه على أنه رطب ومليء بالعفن إلى جانب معاناتهم الدائمة من "نزلات البرد وسوء المؤن".
تدهور صحة نابليون
خلال الفترة التي قضاها في سانت هيلينا، لم يُصب نابليون، كما يُفترض غالبًا، بمرض واحد قاتل؛ بل كانت سلسلة من الأمراض التي تسببت في تدهور حالته الصحية تدريجياً. نتيجة لصعوبة المناخ وسوء الظروف المعيشية في الجزيرة، أصيب العديد من الأشخاص القادمين من أوروبا بأمراض خطيرة، وخاصة اضطرابات الأمعاء ، ومن بين المصابين جنرالات في صفوف الجيش والبحرية البريطانية.
منذ مايو 1816 فصاعداً، بدأ نابليون يعاني أكثر من الآلام و الأرق والصداع الشديد واستشار طبيبه الايرلندي (باري أوميرا) الذي رافقه في رحلة نفيه إلى الجزيرة . وقد أثر المرض على معنويات الإمبراطور وجعلته حزيناً ومتشائما وسريع الانفعال. تناوبت فترات التحسن والمرض حتى سبتمبر 1817 ، عندما أصبحت الأعراض أكثر وضوحاً وبدأ نابليون يشكو من الألم في الجانب الأيمن من بطنه .
قام أوميرا بتشخيص التهاب الكبد، وبدأ في صياغة التقارير التي قام بإرسالها لاحقا إلى حاكم الجزيرة (هدسون لوي) ، الأمر الذي أثار غضب لوي متهماً الطبيب أوميرا بتعمد تهويل الوضع في محاولة للحصول على تصريح طبي لعودة نابليون إلى وطنه من خلال نسب التهاب الكبد إلى الظروف المعيشية في سانت هيلينا. في منتصف 1818، قام هدسون لوي بإنهاء مهمة أوميرا وإعادته إلى لندن.
نهاية قصة نابليون
تعاقب على رعاية نابليون عدد من الأطباء المختلفين ولكن لا أحد منهم مكث معه الفترة الكافية لدراسة أعراض مرضه بشكل منهجي أو وضع نظام دائم لعلاجه وغذائه ، وكان أول أطبائه الدكتور (أوميرا) هو أفضلهم لكن مهامه أنهيت بعد فترة وجيزة كما ذكرنا ، وحل محله طبيبان بريطانييان (ستوكو) و(أرنوت) ؛ وكلاهما كانا طبيبان جيدان وصبورين ، لكن اضطرب الأمر مع وصول ( فرانشيسكو أنتومارتشي ) الذي اتهمه الإمبراطور في وقت لاحق بعدم الاهتمام باحتياجاته وتقديم الرعاية الكافية .
كان المرض يتقدم بمعدل ينذر بالخطر، حيث كان نابليون يعاني من آلام في الجانب الأيمن من بطنه، وألم في كتفه، وحمى، وسعال، وقشعريرة ، وتناوب الإسهال والإمساك، وما إلى ذلك. في عام 1821، كان واضحًا لجميع رفاق الإمبراطور المقربين أن نابليون لن يعيش طويلاً. وفي آخر شهرين من حياته ، لزم نابليون سريره ولم يغادره بعد ذلك إلا نادراً .
في نهاية المطاف ، تدهورت صحة نابليون بشكل حاد. أصبح يعاني من آلام شديدة في البطن وضعف عام وكان يتقيأ كل الطعام الذي يتناوله تقريباً. بعد التشاور مع اثنين من الزملاء الإنجليز ، وصف أرنوت وأنتومارشي جرعة كبيرة من دواء تسبب في اضطراب عنيف وفاقم نزيف حاد في الجهاز الهضمي . بحلول 5 مايو 1821 ، وبعد أكثر من خمس سنوات من وصوله إلى سانت هيلينا ، توفي الامبراطور نابليون بونابرت عن عمر ناهز 51 عاماً فقط .
تشريح الجثة
قام أنتومارشي، بحضور عدد كبير من الأطباء ومن بينهم سبعة جراحين بريطانيين، بتشريح الجثة في يوم 6 مايو. وقد جاء في تقارير الأطباء أن "الكبد كان منتفخًا وكبير الحجم بشكل غير طبيعي؛ لكن لم تظهر أنسجة الكبد أي تغيير كبير آخر في البنية" ، بينما العضو الذي وجد أنه الأكثر تضررا هو المعدة !
بالإضافة إلى كونها متآكلة بشكل كبير بسبب "قرحة سرطانية"، فإن بطانة المعدة كانت تحتوي أيضًا على ثقب . أفاد تشريح الجثة بوجود تورم حلقي كبير بالقرب من بواب المعدة ، والذي تم وصفه بأنه ورم سرطاني خبيث.
كانت المناقشة التي تلت ذلك بين مختلف الأطباء محتدمة للغاية ؛ في نهاية المطاف، تركز الإجماع العام للتقارير والمراسلات المختلفة على "النمو السرطاني بالقرب من البواب" ؛ وقد أدى هذا المرض الخبيث إلى وفاة نابليون لنفس الأسباب التي أدت إلى وفاة والده وشقيقته إليسا ، مما يشير إلى الاستعداد الوراثي للمرض .
فرضية التسمم
أول من وضع هذه الفرضية هو طبيب الأسنان السويدي وعالم السموم ( ستين فورشوفود ) ، حيث نشر كتابا عام 1962 ادعى فيه أن نابليون مات نتيجة التعرض لجرعات صغيرة من الزرنيخ على مدى سنوات طويلة ، واعتمد في ذلك على أن الأعراض التي عانى منها نابليون في آخر ايام حياته كانت متوافقة مع حالات التسمم بالزرنيخ المزمن. يقول فورشفود إن هناك واحداً وثلاثين عرضا معروفا للتسمم بالزرنيخ، وقد عانى نابليون في الأربعة أعوام الأخيرة من حياته من ثمان وعشرين من هذه الأعراض (مثل فقدان الشعر ، آلام الرأس، السعال، الأرق الذي يعقبه حالات نوم دائمة ، التقيؤ، الامساك، الاسهال ..) .
ولأن فحص بقايا جثته كان أمراً مستحيلاً ، قرر الطبيب فورشوفورد البحث عن خصلات من شعره ، حيث يعتبر الشعر أداة جيدة لقياس تركيز الزرنيخ في الجسم ، وفي عصر نابليون كانت خصلة الشعر من الهدايا المعروفة التي يقدمها مشاهير القادة ، ومن حسن الحظ ان الغرور بلغ بنابليون حد إهداء عدد كبير من خصلات شعره للمعجبين والمقربين منه .
زار فورشوفود دولاً كثيراً وحضر مزادات عديدة لجمع اكبر كمية ممكنة من هذه الخصلات. وحين تجمعت لديه الكمية الكافية ، أُجرى البروفيسور هاملتون سميث الاختبارات عليها في مختبر علوم الطب الشرعي بجامعة جلاسكو ، وعندما ظهرت النتيجة كانت المفاجأة ان نسبة الزرنيخ في شعر نابليون أعلى من النسبة الطبيعية .
هل قُتل نابليون ؟
فرضية فورشوفورد أثارت ضجة واسعة و لا تزال موضع نقاش وجدل بعد مرور ما أكثر من نصف قرن على طرحها . وعلى اعتبار أن الإمبراطور هو الشخص الوحيد الذي أظهر تقريبًا جميع الأعراض المنسوبة إلى التسمم المزمن بالزرنيخ الأمر الذي دفع فورشوفود إلى الاعتقاد بأن التسمم كان عملاً إجراميًا وأشار بإصبع الاتهام إلى أحد أفراد حاشيته .
وقد أثار نابليون نفسه الشكوك، فكتب في وصيته قبل عدة أسابيع فقط من وفاته، "أموت قبل وقتي. قُتلت على يد الطغمة الإنجليزية والقتلة المأجورين". من بين الامور التي تدعم نظرية موت الإمبراطور المنفي نتيجة التسمم بالزرنيخ ، هي الحالة الجيدة لجسده عندما تم استخراجه من القبر في عام 1840 لإعادة دفنه في باريس ، وذلك نظرًا لأن الزرنيخ سام أيضاً للكائنات الحية الدقيقة، فإنه يبطئ تحلل الأنسجة البشرية .
ولكن حتى لو كان الزرنيخ هو سبب الوفاة - وهو ما لم يتم إثباته على وجه اليقين - فإن الاتهام القائل بوجود جريمة قتل قد لا يكون دقيقا. البديل الأقل دراماتيكية ولكنه في نفس الوقت تفسير منطقي ومقبول هو أن نابليون قد يكون تعرض للزرنيخ من البيئة المحيطة بشكل عرضي .
هل سمم نابليون بالزرنيخ ؟
عام 2008، وسع فريق إيطالي التحقيق من خلال اختبار خصلات شعر نابليون من أربع نقاط في حياته - بما في ذلك طفولته، ومنفاه، ويوم وفاته، واليوم التالي - وامتد الاختبار أيضًا إلى ابنه نابليون الثاني وزوجته الإمبراطورة جوزفين. وقد وجد أن جميع العينات تحتوي على مستويات عالية من الزرنيخ بشكل مماثل، ما يقرب من 100 مرة أكثر من تلك الموجودة لدى الأشخاص الأحياء الذين تم تضمين شعرهم في التحليل للمقارنة.
وخلص فريق من المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء النووية إلى أن النتائج تشير إلى "التعرض المزمن الذي يُعزى ببساطة إلى عوامل بيئية، للأسف لم يعد من السهل التعرف عليها، أو العادات التي تنطوي على الغذاء والعلاجات". لكن عموما كان الزرنيخ مكونًا شائعًا في عدد من المنتجات المنزلية في القرن التاسع عشر ،وخاصة الأصبغة والمستحضرات .
يقول العلماء :"تسببت البيئة التي عاش فيها الناس اوائل القرن التاسع عشر بشكل واضح في امتصاص كميات من الزرنيخ تعتبر خطيرة بمقاييس اليوم " . كما تظهر مذكرات الطبيب (أوميرا)، فقد تم وصف الحبوب والجرعات بمختلف أنواعها ، على الرغم من نفور نابليون الشد يد من الأدوية. هذه الأدوية، التي يتم تحضيرها في الغالب باستخدام طرق بسيطة للغاية، يمكن أن تحتوي على شوائب الزرنيخ .
الخلاصة
في حالة نابليون، كان الزرنيخ على الأرجح مجرد واحد من عديد الأمور التي أثقلت كاهل صحة الامبراطور المضطربة بالفعل. في سياق علاج مجموعة متنوعة من الأعراض - تورم الساقين، وآلام البطن، واليرقان، والإقياء، والضعف - تعرض نابليون لمجموعة متنوعة من المواد السامة الأخرى. وقيل إنه كان يستهلك كميات كبيرة من مشروب حلو المذاق يحتوي على حمض الهيدروسيانيك. كما تم إعطاؤه أيضاً مركب أنتيموني قبل يومين من وفاته ، و أعطاه أطباؤه قبل يومين جرعة من الكالوميل، أو كلوريد الزئبق، وبعد ذلك انهار وتدهورت حالته أكثر .
على المستوى التاريخي والطبي البحت، فإن التركيبة التالية : التهاب الكبد المزمن السابق + قرحة المعدة التي تطورت في النهاية إلى ثقب + سرطان المعدة + تفاقم الحالة العامة نتيجة مركبات خطيرة (الأنتيمون والزئبق)، أكثر من كافية لتفسير وفاة الإمبراطور، دون الأخذ في الاعتبار احتمال تعرضه للتسمم .وإذا أردنا العثور على إجماع في الرأي يشمل مختلف النظريات المطروحة، فلا يمكن استبعاد السيناريو الذي يؤثر فيه أيضاً التعرض المزمن للزرنيخ من البيئة المحيطة سلبًا على جسم نابليون الذي أضعفه المرض بالأساس .
التعديل الأخير: