💢 حصري - السفر عبر الزمن و تناقضاته

2024/1/22
المشاهدات: 242
الردود: 4

لا يسعنا و نحن نقرأ الألغاز العلمية المختلفة إلا أن نتعجب لقدرة المولى عزوجل، فالإنسان رغم إختراعه للغواصات و الصواريخ و آلات الحفر و غيرها من القطع الميكانيكية الفريدة إلا أنه لا يزال عاجزا عن فهم كل أسرار هذا الكون و معرفة خبايا كوكب واحد فقط ألا و هو كوكب الأرض الذي لازال يحمل بين طياته أسئلة لا إجابة لها حتى اليوم، و لا يمكننا و نحن نغوص في ميدان الألغاز العلمية أن نغض بصرنا بأي حال من الأحوال عن فكرة السفر عبر الزمن رغم الفانتازيا الكبيرة التي تحيط بها، فالخيال جارف و الإنسان يطمح دوما في أن يصل لأبعاد لم يعتقد يوما أنه سيصل لها، فمن كان يظن قبل 500 سنة مثلا أن الإنسان في وقت ما سيكون قادر على السفر من قارة إلى قارة في ظرف ساعات أو أن يرسل رسالة من اليابان إلى ألمانيا في أقل من دقيقة!. و رغم أن السينما قد قللت من شأن السفر عبر الزمن كفمهوم عن طريق بعض الأفلام الساذجة التي بالغت في تجسيده كواقع إلا أنه نظريا و رياضيا إن صح التعبير ممكن، فكيف ذلك و هل سيتمكن الإنسان يوما ما من تحقيق مراده في السفر إلى أزمنة أخرى؟.

تعريف السفر عبر الزمن:
بمفهومه البسيط السفر عبر الزمن هو قدرة الفرد على الإنتقال عبر الزمن بإعتباره بعدا و الوصول إلى نقطة محددة في الماضي أو المستقبل.

و عرف ديفيد لويس نفس الفكرة بقوله: يسافر الجسم عبر الزمن إذا وفقط كان الفرق بين وقت المغادرة ووقت الوصول كما تم قياسه في العالم المحيط لا يساوي مدة الرحلة التي مر بها الجسم. على سبيل المثال، تعتبر جين مسافرة عبر الزمن إذا سافرت بعيدًا عن المنزل في سفينتها الفضائية لمدة ساعة واحدة مقاسة بساعتها الخاصة على السفينة ولكنها سافرت ساعتين حسب قياس الساعات الأخرى للعودة إلى المنزل، بإفتراض أن كلتا الساعتين تعملان بشكل صحيح.¹

أصل فكرة السفر عبر الزمن:
إن فكرة السفر عبر الزمن ظهرت بشكل باهت في بعض الحضارات القديمة و لم تكن مستندة إلى العلم بل كانت تقترب أكثر للخرافات و الأساطير²، و ما نعرفه اليوم عن السفر عبر الزمن بمفهمومه الحديث فقد تأصل من رواية هيربرت جورج ويلز بعنوان آلة الزمن، و هي رواية تتحدث عن عالم يسافر عبر الزمن إلى المسقبل فيجده مظلما و بائسا تحكمه الطبقية و الطغيان، و قد ساهمت الأعمال السينمائية التي تحدثت عن مفهوم السفر عبر الزمن في ذياع صيت الفكرة بل و إعتبارها من المسلمات عند الكثيرين رغم أن العلم لم يثبت ذلك قط.

السفر عبر الزمن علميا:
النظرية النسبية لآينشتاين و التي بني عليها مفهوم السفر عبر الزمن تعتبر في وقتنا الحالي واسعة الشهرة و واسعة التعقيد أيضا لكنها ببساطة تفترض أن الوقت مفهوم نسبي و هنا نحن نتحدث عن النسبية الخاصة لا النسبية العامة. وفقا لآينشتاين فإن الزمن يتدفق بشكلٍ مختلفٍ وفقًا لحالة الشخص المراقب و حركته و هذا راجع لفكرته عن سرعة الضوء، إذ ناقض آينشتاين الفكرة التقليدية القائلة أن سرعة الضوء نسبية و حاول من خلال أبحاثة التأكيد على ثبات سرعة الضوء في كل الحالات، مهما كانت سرعة الجسم المصدر للضوء، و قد أوضح فكرته بمثال بسيط:
تخيّل آينشتاين شخصًا يقف بجانب قطارٍ متحرِّكٍ (على رصيف محطة القطار)، ويقارن المُشاهدات مع شخص داخل القطار. وتخيّل أنّ القطار عند نقطةٍ مُعيَّنةٍ في مساره، يبعد نفس المسافة بين شجرتين، وإذا ضرَبَت صاعقةٌ من البرق كلتا الشجرتين في نفس الوقت، وبسبب حركة القطار؛ فإنَّ الشخص الموجود في القطار سيشاهد الصاعقة تضرب شجرةً قبل الشجرةِ الأُخرى، لكنَّ الشخص الواقف على رصيف محطة القطار سيشاهد الضربتين حدثتا في نفس الوقت.

إستنتج آينشتاين أن الآنية أو التزامن (simultaneity) بين حدثين هو أمرٌ نسبي -أي يختلف من شخصٍ لآخر-، وأنَّ ما يراه شخصٌ أنَّ حدثين معيَّنين آنيين قد لا يراه كذلك شخصٌ آخر.³

هل سيتمكن البشر يوما ما من تحقيق المستحيل؟

إفترض آينشتاين في الوقت ذاته أن الزمن ليس هو الوقت بمفهومه البسيط، و حاول دمجه مع الأبعاد الثلاثة المعروفة لدينا (طول، عرض، إرتفاع) كبعد رابع يجب توفره للقيام بأي عملية فيزيائية، بمعنى آخر إذا إستطعنا أن نتحرك للأمام و الخلف و الأعلى و الأسفل (الأبعاد الحسية) فإنه يمكننا أيضا أن نتحرك عبر الزمن بصفته بعدا.⁴

لا يمكننا من خلال نظرية آينشتاين النسبية أن نثبت بشكل قاطع أن السفر عبر الزمن ممكن لكنها تعطينا نافذة صغيرة إذا ما إعترفنا أن الزمن نسبي فعلا و يختلف من حالة إلى أخرى، بمعنى أنه ربما في مرحلة ما في المستقبل يمكننا ثنيه لدرجة تجعلنا نسافر عبره، و الأمر طبعا يبقى نظريا بحتا حتى هذه اللحظة.

السفر عبر الزمن في الإسلام:
إن المعلوم عند عموم المسلمين هو أن السفر عبر الزمن فكرة لا يجوز التصديق بها لأن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده و دليل هذا قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام 59] لكن ذلك لا ينفي أن الإسلام قد أثبت نظرية آينشتاين النسبية في شقها المتعلق بكون الزمن نسبيا و هذا ما جاء في وصف أيام الدجال التي يلبثها في الأرض، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يلبث: أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. رواه مسلم.

وأما إذا أريد بالسفر عبر الزمان إمكانية السفر في الفضاء وإختصار الزمن، وليس السفر في الزمن نفسه، فهذا لا يحيله العقل، وقد حدث مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وقد يتيسر للإنسان من العلم ما يؤهله لإستخدام طرق نقل ـ وليس وسائل نقل ـ تتخطى سرعة الضوء، فإن مقاربة هذه السرعة أو تخطيها هو ما تعتمد عليه فكرة السفر عبر الزمن في النظرية النسبية لأينشتاين، جاء في الموسوعة الحرة: يرى بعض العلماء أن السفر إلى الماضي لا يمكن أن يحدث وإنما يكون باستمرار في اتجاه المستقبل، والعبرة هي اقتراب سرعة الحركة من سرعة الضوء، لقد أدت تلك التصورات النظرية لإمكانية السفر عبر الزمن إلى مناقشة التناقضات الناتجة عن ذلك، كمثل أن يسافر المرء إلى الماضي ليقتل جدته قبل أن تحمل بأمه، أو أن يؤثر على مسار التاريخ فيمنع الحروب مثلا. اهـ.

ومما يمكن أن نتدبره من كتاب الله تعالى في هذا المجال، قوله عز وجل: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا { الكهف: 51}.

فلو أمكن السفر عبر الزمان إلى الماضي لأمكن أن نشهد ذلك، وقوله سبحانه: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ {إبراهيم: 9}.⁵

آلة الزمن! هل هي ممكنة؟:
وفقا للعالم البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ فإن بناء آلة للسفر عبر الزمن يعتبر مستبعدا لكنه غير مستحيل، إذ
يرى هذا الأخير في كتابه "أجوبة مقتضبة لأسئلة كثيرة" أن السفر عبر الزمن ممكن من الناحية العملية، لكن تفاؤله بشأن تطبيقه يشوبه الحذر، نظرا لكوننا غير قادرين على بناء آلة للزمن في ظل التقنية المتوفرة في الوقت الحالي، لكن ربما أمكننا فعل ذلك مستقبلا⁶، و يتركنا إفتراض هوكينغ أمام خيار واحد لا بديل له و هو الثقوب السوداء كحل لتطبيق فكرة السفر عبر الزمن. فالثقوب السوداء هي أغرب الأجرام الكونية إذ تتكون في نهاية أعمار النجوم العملاقة، حيث تنهار تلك النجوم على ذاتها في صورة انفجار نجمي هائل يسمى "مستعرا أعظم"، تاركة في المركز ثقبا أسود بقوة جاذبية شديدة لدرجة أن شعاع الضوء نفسه لا يقدر على الهروب منه⁷، فجاذبية الثقب الأسود الهائلة تجعل الزمان و المكان أو الزمكان حسب آينشتاين يتحركان بسرعة الضوء. و حسب النظرية النسبية فإن الحركة بهذه السرعة الهائلة ستخلق شذوذا أو تشوها في النسيج الزمكاني⁸ يجعلنا نظريا "نسافر عبر الزمن"، و يجدر التنويه إلا أن الثقوب السوداء ليست مثبتة بنسبة %100 حتى هذه اللحظة رغم أن تلسكوب ناسا رصد مؤخرا ثقبا أسودا إلا إثبات وجوده بشكل قاطع يبقى قيد الإنتظار حاليا، دون أن ننسى أن الشخص العادي و في حالة إمتصاصه من قبل ثقب أسود فأنه سيتحول في لحظات إلى أشلاء لا يمكن حتى جمعها نظرا لقوة الجذب الهائلة.

مفارقة الجد:
تخيل أنك قمت ببناء آلة سفر عبر الزمن و عدت للماضي و قمت بقتل جدك عن طريق الخطأ مثلا، بهذا فإن والدك لن يكون موجودا لأن جدك ميت ما يعني بالضرورة أنك أنت أيضا لن تكون موجودا!.
تعتبر هذه المفارقة واحدة من أكثر الحجج شيوعا لدحض نظرية السفر عبر الزمن و خاصة السفر للماضي و الذي أثبت العلم أنه غير ممكن نظريا أو تطبيقيا، لكن هل يمكن للأمر ذاته أن ينطبق على السفر إلى المستقبل، هل يمكنك بطريقة ما أن تغير حدثا هائلا في المستقبل يجعلك غير قادر على السفر عبر الزمن من الأساس و إن كان ذلك ممكنا فما هو هذا الحدث؟.

مفارقة الجد، دليل المشككين في فكرة السفر عبر الزمن.

رغم أن مفارقة الجد تعتبر منطقية لحد كبير إلا أن المؤمنين بصحة السفر عبر الزمن قد وجدوا لها حلا يتضمن نظرية الأكوان المتوازية التي كنا قد تناولناها في مقال سابق. و لحل مفارقة الجد يجب أن نتأكد أولا من أن الأكوان المتوازية موجودة بالفعل، و هذا لأننا عند قتلنا لأجدادنا مثلا كما ذكرنا في المثال السابق أو منع أجدادنا (الجد و الجدة) من اللقاء سنخلق خطا زمنيا جديدا غير ذلك الذي إنطلقنا منه لحظة سفرنا ما يعني أن أجدادنا لن يلتقوا فعلا لكن في كون آخر غير كوننا أو في خط زمني آخر غير خطنا الزمني.⁹

السفر عبر الزمن في الثقافة الشعبية:
أصبحت فكرة السفر عبر الزمن اليوم مبتذلة و مستهلكة لحد كبير في الأعمال السينمائية و الأدبية إلا في حالات قليلة جديدة يكون فيها القالب الفني و الأدبي راقيا و خلاقا لدرجة عالية لكنها رغم هذا لقيت نجاحا واسعا في القرن الماضي إذ تم تبنيها في سلسلة الأفلام الكوميدية الشهيرة العودة إلى المسقبل أو back to the future، إضافة لظهورها في عدد من الأعمال الدرامية و الأكشن مثل سلسلة المدمر أو terminator أو فلم predestination إضافة لظهورها في أعمال أدبية عديدة مثل رواية ستيفن كينغ 11/22/63.

ختاما:
النظرية تكون دوما قوية بقوة حججها و هذه النظرية تقدم حججا لا يمكن إهمالها، ربما لا يمكن للعقل البشري في الوقت الحالي أن يفك شيفرات الفكرة بشكل واضح و صريح لكن المستقبل أو "الزمن" في سياق الحديث مجهول و الوقت وحده من سيحدد صحة النظرية من عدمها.

المصادر:
1. Time Travel, internet encyclopedia of philosophy,
تمت الزيارة يوم: 20/01/2019, متاح على الرابط: